(1)
يسهل عند الوقوف أمام المرايا ومحاولة فهم الذات من خلال الانعكاسات المحدودة التي يُمكن لنا أن نستخلصها عن أنفسنا أن ننسى أن ننظر في المرآة فعلاً لنرى انعكاسها الجسدي والفعلي، خصوصًا إذا ما ادعينا أننا بشر لا بد أن نستخلص قيمتنا مما وراء الجسد. بل ويصعب ذلك أكثر حينما يكون الواقف أمام انعكاس الذات الجسدي والواقعي جدًا هذا رجلاً.
أقف بين الحين والآخر أمام المرآة الرمزية في آن والواقعية في آن آخر. ويُمكن القول بأنني حينما أفعل تتلظى الأفكار محاولة التدفّق دون أن تلقى مجرىً لها. ولذا يمكن القول أنني أفعّل مجراها بهذه التدوينة. ليس ما يهمني هو الاستطيقا المرتبطة بجسدي بالضرورة، كما أنني أكيدٌ من عدم رغبتي في النظر لجسدي بنظرة مأساوية مثيرة للشفقة.
أجلس على المكتب ذي اللون الرمادي الفاتح الممتد على اتساع سطحه الرديء والمهترئ، والذي لا يبدو حتى أنه من الوولمارت بل غالبًا من مزبلةٍ ما. أجلس عليه لأتتبّع حياة هذا الجسد الذي يبدو أنه عاش حياةً منفصلة عني على الرغم من ملازمته لي طوال عمري؛ إذ لا يمكن تفسير عدم وعيي بهذا الجسد حتى الآن سوى بأنني كنت في عالمٍ، وكان هو في عالمٍ آخر. لا يجمعنا سوى صدفة وعيٍ ما بمؤخرتي.
أضحك الآن بعد أن أنهيت الجملة السابقة. نعم نقطة انتباهي لجسدي التي سأرويها في السطور القادمة انطلقت من وعيٍ ما بمؤخرتي، غير أنني لم أخطط كما لم أتوقع أن تكون مؤخرتي بدايةً لهذه السيرة بهذه الصورة الشاعرية التي أوضحْتُ: مؤخرتي نقطة التقاء عالمين، واحدٌ مختصّ بجسدي، وآخر بوعيي الذاتي.
***
تبدأ القصة من نهايتها. ليست خطّيةً بكل تأكيد. اشتريتُ يومًا عدة سُترات شتوية من ‘تومي هلفغر’. كانت قطنيةً بدرجة يرتاح لنعومتها الجلد، كما أنها دافئة بالحد الأدنى على الأقل. يُمكن ارتداؤها وحيدةً كما يُمكن وضعها فوق القمصان وفوقَ أيّ شيءٍ آخر.
كنت قد اقتنيتُها في بداية اهتمامي لمظهري الذي لا بد أن يكون حسنًا وأنيقًا في كلية إدارة الأعمال التي أرتادها، إذ لم يعد المظهر البسيط غير المبالي الذي أبدو عليه في العادة مهنيًا بما يكفي لأنسجم في هذه الكلية التنافسية لحد بعيد. لكنها كانت سترات غريبة بعض الشيء. لم تكن أصغر من مقاسي الذي أعرفه جيدًا في تومي هلفغر، غير أنني كنت أشعر بأنها قصيرة. أرتدي السترة أول اليوم شاعرًا بأناقتها كما أشعر براحة غامرة، إذ تمتدّ لمنتصف مؤخرتي كما اعتدتُ، غير أنها لا تلبث إلا وأن تتقلّص عند منتصف اليوم وعند أي حركة بسيطة لجذعي قبل أن تعلو المؤخرة تاركةً إياها ظاهرة بتفاصيلها من البنطال، قبل أن أسحبها إلى الأسفل بحركة تلقائية غير واعية. يتكرر الأمر مراتٍ عديدة تتجاوز الست أو السبع مرات.
أصبح ذلك مزعجًا حتى أنني توقفت عن ارتداء ستراتي الجديدة. كنت أشعرُ بشيءٍ ما لم أقدر على تحديده تمامًا، كما أنني بكل تأكيد لم أستغرق في التفكير فيه، بل تجاهلته تمامًا. لكنها ما كانت إلا وأن عادت ضمن خياراتي المحدودة للّبس مجددًا، وأنا الذي عدت لارتدائها ناسيًا ‘قصرها’ الذي كنت أظنه، حتى حان الوقت الذي تنبّهت فيه لما وجب التنبّه إليه..
حينما ارتديتها في إحدى الأيام شعرتُ بانكشافٍ كامل بينما أحمل أمرًا ثقيلاً. كان الضجر هو ما دفعني لنسيانها وتجاهلها في أول الأمر، ثم أصبح الأمر مضجرًا ومحرجًا لدرجة يصعب فيها أن أتوقّف أمام الأصدقاء عن حمل شيء ما فقط وفقط لسحب سترتي لأسفل مؤخرتي، وهي التي لن تلبث وأن تعود لتعلو المؤخرة مجددًا. كان الحرج الذي سيتكوّن من توقفي ذلك يتجاوز حرج ظهور مؤخرتي الصغيرة، إذ يظهر خوفًا وضعفًا وخجلاً من الجسد، ما لم يكن مفهومًا في سياقٍ أمريكي يُعلن الافتخار بالجسد بصورة قصوى، كما أنه لم يتسق مع شخصيتي من جهة أخرى.
لم تكن السترات قصيرةً. كان الأمر بديهيًا حتى التفاهة، وضحكت إذ أدركت أنّني لست فقط أدرك وجود سترات من هذا النوع وأن هذه منها، بل وأدركت أنني يُعجبني هذا ‘الستايل’ من السترات حينما أراه على رجال آخرين وأجده أنيقًا للغاية. ترتفع السترة أعلى الوسط لتكون تحت الجذع تمامًا تاركةً مساحة ما للبنطال ليشارك في رسم الصورة الكاملة للمظهر العام. غير أنني، رغم معرفتي بذلك جيدًا،أغرقتُ ملابسي سمتًا وسحبًا تحت مؤخرتي طوال حياتي لا إراديًا ، كما لو كانت حركة ميكانيكية مرتبطة بخوفٍ عميق أجهل مصدره. أقول “كما لو”، تأكيدًا على أنني أعرف مصدره جيدًا.
(2)
لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت لأستذكر بداية هذه الحركة التلقائية عند ارتفاع ما أرتديه فوق مؤخرتي. لا يستهلك الوعي بالذات لديّ الكثير من الجهد والتفكير في العادة، ولذا بدأت بالقبض على ذاكرة الجسد المستقل عني هذا فورما أوليته اهتمامًا بسيطًا؛ إذ كل ما كان ينتظره مني هو أن أصغي له حين يتحدّث ويستذكر ويتألم ويستمتع.
نرتدي الملابس الطويلة منذ المتوسطة. وأقول نرتدي بدلاً من أرتدي لأنني أدّعي أنني أتحدّث عنّا جميعًا لا عني وحدي. يبدأ ذلك في اللحظة التي يدرك فيها الطالب المراهق الثقافة الجنسية المتفشّية لمدرسة غير مختلطة لا يجد فيها سوى أبناء جنسه المتلهّبين بطاقة جنسية غير مسؤولة، كما أنّها في سياقٍ استثنائي مفصول عن ‘الآخر’ الأنثى. لا تتوانى تلك الثقافة عن إلقاء التعليقات على مؤخرات الجميع دون استثناء في أروقة المدرسة، وبالخصوص تلك التي يُمكن أن توازي مؤخرات الفتيات التي يشاهدها المراهقون هؤلاء في المواقع الإباحية الرديئة. وذلك دون أن أذكر تفشي ثقافة لمس المؤخرة حينما تسنح الفرصة، فـ ‘التراميش’، أو لمس المؤخرة بقصد الاستفزاز، تأتي استفزازًا مزوحًا “عابرًا” بين الأصدقاء، كما أنها مجرد مغامرة ناتجة عن تراث وعادات وتقاليد الذهاب لشراء الفطور من المقصف.
تعبث هذه الثقافة بأشياء عديدة. ليس تركُّزُها على مؤخرات الفتيان تحرّشًا مُطبَّعًا فحسب؛ إذ يتجاوز ذلك التحرش بكثير. يُمكن تعريف التحرش بأنّه الاعتداء على الجسد ورفض وجوده في الإطار العام، ما يحدث كل يوم للنساء، وما ينتج عنه وجود فعليّ في الغالب لهذا الجسد في الإطار الخاص، وتضخيمه في هذا الإطار على أقل تقدير، إذ هذه ربما إحدى غايات التحرش بذاته إذا وُجّه للمرأة. إذ لا تُوجَّهُ ثقافةُ التحرش ضد النساء نحو نزع جنسانية المرأة عنها، بل هي تريد أن تسيطر عليها وتُبقيها في الإطار الخاص الذي يُمكّن الرجال منها. وذلك في حين أن الثقافة الجنسية في مدارس الفتيان تتجاوز ثقافة التحرش هذه بهذا المفهوم لمفهوم مختلف: هي تعبث بمفهومي الذكورة والرجولة وما يتصل بالجسد فيهما. لا تقوم هذه الثقافة بقمع جسد الرجل عمومًا من الإطار العام بالمعنى المعروف للتحرش بالمرأة، بل هي تقمع الجسد وجنسانيته وكل أبعاده الأخرى بشكلٍ مطلق في الإطارين الخاص والعام في حالٍ أساسية واحدة: حينما لا يكون الجسد تمظهرًا للعنف والقوة والخصوبة، ذلك ما ينتهي -بالضرورة- بإقصاء معظم أجساد الرجال والفتيان.
لا نتحدث هنا عن مؤخرات الفتيان وحدها، أو مؤخرتي بالخصوص، ولكننا نتحدث عن الجسد ككل. تقوم الثقافة الأبوية في هذا السياق على الأقل بقمع كل الجوانب غير المرتبطة بالصورة الذكورية للرجل: الرجل العنيف القوي والصلب. بل وهي تقوم بحصر كل المفاهيم الأخرى، كالجمال، في هذا الإطار وحده، ما يعزل الفتى منذ نعومته عن التواصل مع جسده وفهمه فيما هو غير متصل بهذا المفهوم الذكوري وحده.
قمعتُ وقمعت الثقافة الجنسية هذه جسدي وعزلته عنّي من حيث أنني لم أتعرّف على هذا الجسد إلا عبر هاجسي الرافض لأن يكون هذا الجسدُ ‘أنثويًا’، يُثير المتنمرين والمعتدين جنسيًا، ما يجب أن أحذر منه. إذ ليس رفضي لجسدي رفضًا للتحرش ووقاية منه فقط، بل هو إقرار باستحقاق الجسد بصوره كلها غير النمطية للذكر المثالي بالتحرش، أو بالانتباه الجنسي أقلاً، ما يجب -وفقًا لتلك الثقافة- أن ينحصر على المرأة وأشباهها، وكنت، كالجميع، بحاجة لإثبات رجولتي لي قبل أن أثبتها للآخرين. استغللتُ، كما استغلّ ضحايا التحرش هذا، الستايل الحديث الذي يضع البنطال في منطقة منخفضة من المؤخرة الذي انتشر في ذلك الوقت بدرجة مهولة لحماية مؤخراتنا وعزلنا عنها. وهو ما يمنع البنطال من الالتصاق بالمؤخرة ليظهر تفاصيلها. لم تكن هذه الطريقة الوحيدة بالطبع، إذ ابتدعنا الكثير من الخدع، منها ما نجح ومنها ما لم يفعل.
يبدو غريبًا للغاية أن تكون الرجولة والذكورة بالحيثيات التي ذكرتُ عاملاً يفصل بين الإنسان/الذكر وجسده إلى الحد الذي أشعر به الآن. فالرجولة والذكورة جزء أساسي منها هو الإقرار بحضور هذا الجسد في مقابل عدم حضور جسد الأنثى. نعم، غير إنّ الرجولة نفسها قمعٌ لكل جانبٍ لا يتصل مع الصورة المثالية والنمطية للرجل البيولوجي الوحشي ذاك، وخصوصًا حين يكون متّصلاً بجانبٍ أكثر إنسانية ونعومة يختص بالمرأة الضعيفة.
***
أرتدي اليوم إحدى هذه الستر التي ترتفع فوق مؤخرتي تلقائيًا بعد أي حركة. أتحرّك وأروح وأجيء براحةٍ غامرة، كما تستمتع مؤخرتي بظهورها بدرجةٍ ما تحت بنطال أنيق بدرجةٍ ما. تظهر، وهي الصغيرة للغاية، والتي لا تلفتُ أحدًا في هذه الجامعة الضاجة بالأرداف الممتلئة والأكثر جاذبية وأكثر ثقة في ظهورها من مؤخرتي ‘المشكمنة’ كما كان يسميها الأصدقاء في المتوسطة.
بات وعيي الذاتي السابق، والذي كان تلقائيًا في رفضه لظهور هذه المؤخرة، ومليئًا بالقلق غير الظاهر لدي ولدى الآخرين، بات وعيًا قويًّا ومسلِّمًا بهذا الجسد، بل ويُمكن القول أنه راغبٌ بظهور جنسانيته الركيكة على نحوٍ أشدُّ وطءًا مما يسبق، ومتحديًا للقلق السابق.
نظرتُ في المرآة قليلاً، عملت ‘برمة’ دون قلقٍ وخجلٍ وخوف على رجولتي وميولي الجنسية الواثق منهما، وذهبتُ قاصدًا الصالة الرياضية، لعلّ هذه المؤخرة تصبح أكثر جاذبيةً في يومٍ ما.
(3)
عدتُ هذا المساء من الصالة الرياضية وأثَرُ الحديد يطنّ في مفاصلي ولحمي وعظامي. ها أنا أعود لألتزم في ‘الجم’ بعد ست سنوات من محاولتي الأولى في الثالث الثانوي. لم أشعر قط برغبة في حمل الحدائد الثقيلة بشكل متكرر لا هدف آنيّ له. لم يكن أصلاً الاهتمام بجسدي شيئًا أوليه اهتمامي في الثانوية وما بعدها، لكنني دخلتُ الجم آنذاك في محاولة لتفادي التعليقات التي تشير إلى هزل جسدي بين الفينة والأخرى. حمل الحدائد تكرارٌ مُمِلٌّ وذكورية طافحة، كما كنت أظنها، ما لم يكن يهمني على الإطلاق في مقابل اهتمامي بالنماء الذهني وحده.
لم يكن نمط التفكير اللامادي العنيف هذا مانعًا لدخولي واستمراري في الجم وحسب، بل كان سببًا أساسيًا، كما أظن، في عجزي عن تنظيم نومي، كما أنه سببٌ في عجزي عن إدراك صيحات جسدي عند الجوع والمرض والحاجة إلى العناية البسيطة مثل حلق وترتيب ذقني مثلاً. يسهل أن أبقى متسائلاً طوال اليوم عن سبب الغمامة التي تطوف برأسي، محيلاً سببها إلى أزمة وجودية ما غير مقنعة، قبل أن أكتشف أنّها لا تتجاوز كونها أزمة جوع حينما أتناول وجبتي الأولى ليلاً بعد صيام غير مقصود لساعات.
لما ذكرته لتوي، يُمكنني أن أصوم رمضان بسهولة فائقة دون أن أشعر بثقل الجوع والعطش، حتى في الساعات الطوال التي يتسم بها نهار هذه البقعة الجغرافية. فالصيام، والذي قد يكون أحد أسبابه هو أن نتمكن من ملاحظة أجسادنا والتحكم بها بدرجة ما، لا يكون سوى موسمًا مسهِّلاً للرفض القاطع الذي أوليه جسدي، ما أحاول أن أحاربه خلال هذا الشهر بالتحديد.
***
تركتُ الهاتف ليشحنَ وذهبتُ لآخذ دشًا حارًا يلفّ لحمي وعظامي قبل أن أتهيأ للإفطار. قررت أن أستمرّ في الجم خلال رمضان رغم انسحاب رفيقي الذي حثني على الالتزام. لن أعود قريبًا لو انقطعت بكل تأكيد. كان التصميم الذي يرافق الجم ويرافق محاولاتي الحثيثة في ترتيب وجباتي واختيار ما يدخل جسدي هي خطواتي الأولى في التصالح مع ماديتي في المقام الأول. اهتمامي بجانبي الذهني وحده ليس بريئًا. ليس إقصائي لجسدي عائدٌ فقط لثقافة جنسية قمعية للجسد غير الذكوري، بل هي أيضًا ترتبط بكل تأكيد بثقافة ترفض المادة بشكلٍ قاطع.
يُمكن القول بأنّ رفض الغرائز ورفض ما يرتبط بها والتأكيد على الحياة الروحية للإنسان جزء يرتبط بكل تأكيد بثقافة دينيةٍ ما. الفصل القاطع هنا بين الجسد والذات، أو الجسد والروح، صيغةٌ مثالية ترعرعتُ عليها بدرجةٍ بعيدة، ما أولى اهتمامي كله نحو ذهني وطريقة تفكيري وما يرتبط بذلك كله. غير أنّني لا يُمكنني الهرب من حقيقة أنّ ليس للإنسان أي معنىً مستقل عن جسده وماديته. لا أظنني شيئًا سوى هذه المادة، ذلك ما يفسّر تحسن مزاجي وطريقة تفكيري بشكلٍ جذري بعد الاستمرار الرياضي هذا. ما أدى لهدفي الغريب والغريب جدًا: لن أحسّن من ذهني هذه السنة، بل من جسدي المعطوب وحده.
***
أنهيت الدش بعد أن فكرت فيما أكتبه الآن، ونظرت في المرآة مصادفةً. ما زال الجسد هذا هزيلاً بعد ثلاثة أسابيع، وذلك رغم انتفاخ عضلات الباي كالبالونات الصغيرة. لففتُ لألتقط شيئًا من الأرض، لألمح في مصادفةٍ أخرى ظهريَ المفصّل بوضوح. بدا كما لو أنني كنت أرى ظهري هذا لأول مرة، إذ كنت أتساءل إذا ما كان هذا التفصيل نتيجة للثلاثة أسابيع أم أنّ هذا هو ظهري منذ الأزل. تتضح ثلاث أو أربع عضلات في الجانب الأيمن لظهري. واحدة ممتدة نحو الأسفل بشكلٍ منساب وأنيق وغريب عليّ للغاية، وعضلة أخرى تمتد نحو منتصف الظهر، وثالثة يبدو أنها أضخمهم، تمتدّ لتلتصق بكتفي وتحفّ أعلى بطني. كنت أنظر لجسدي هذا بنظرة إيروتيكية لأول مرة. خجلتُ قليلاً وسارعت بارتداء ثيابي للذهاب لتحضير مشروب البروتين والموز وزبدة الفول السوداني. تعمدتُ تفادي إلقاء نظرة على وجهي في المرآة، إذ غالبًا ما سيكون محمرًّا بعض الشيء بعد اكتشاف غير مسبوق.
***
للسيرةِ السردية هذه عتبةٌ أخيرةٌ لا بد من وطئها لتكتمل تمامًا، وهي عتبة هذا الجسد الغريب الجنسية تحديدًا. ما يبرر توقعي من القارئ أن يتفهم تفاديّ عن إكمال هذه السيرة. لست شجاعًا بما فيه الكفاية لأروي هذا الجانب الصعب دون تزييف وحذف واختلاق، ولا أظنني، وأنا الذي كنت صادقًا حد المستطاع في الأسطر السابقة، لا أظنني أقوى على روايتها متواريًا خلف الأغطية والأغلفة. كما أنني أعوّل على ذكاء وفهم القارئ في استدلاله، من خلال إعراضي عن إكمالها، على فحواها وما يمكن لها أن تقوله على ضوء ما تقدم ذكره. فالغريب غريب دائمًا، إلا حينما نفكّ غرابته بأنفسنا..
كتبت هذه السيرة في ابريل من عام 2021.