لو سلّمنا بأنّ الأخلاق بشكلٍ عام هي أخلاقٌ كشفيّةٌ وليست أخلاقًا جعليّةً..
وهنا الكشفية تعني أنّها ثابتة، وفيها الصحيح والخاطئ طوال الوقت، ولا تُجعل من خلال الاتفاق الجمعيّ أو من خلال الأعراف السائدة.. بمعنى، أنّ الأخلاق ثابتةٌ لا تتغيّر، وعلينا أن نجد الطريقة في الكشف عنها..
والجعلية هي العكس، التي يتفق عليها المجتمع بشكلٍ عام، مثلاً يتفقون بأنّ الكذب حسنٌ والصدق قبيح..
لو سلّمنا بهذا أولاً.
ولو سلّمنا، ثانيًا، بأنّ العقل غير قادر وعاجز عن كشفِ الأخلاق، وإيجاد منظومة أخلاقية متكاملة لوحده، وبدون العودة إلى النص المقدّس والقرآن والسنة النبوية..
وذلك ما يجعلنا، بالتالي، ننزّه من تنافي النص المقدّس مع العقل ومع المنطق، ومن ثمّ نقوم، وفقًا للفكر الأصولي، بإيجاد الفهم “الباطني” للنصوص المقدسة حين يكون ظاهرها مخالفًا للعقل وللمنطق، بالعقل والمنطق نفسه. (وهذا كلّه بعيدًا عن تضعيف أو إقصاء الأحاديث والنصوص غير القرآنية حين مخالفتها للعقل والمنطق.)
فإنّنا لا بدّ، بالتالي، أن نسلّم بأنّ العقل هذا أيضًا، غير قادرٍ على تفسير وفهم “باطن” النص، والذي ظاهره يخالف المنطق والعقل.
وذلك يعني بكل تأكيد، أننا نتخلى عن العقل وعن المنطق في الأخلاق، وهذا هو الفكر التأصيلي بذاته……
ومن هنا بالضبط يُنعت السيد محمد حسين فضل الله مثلًا أن فتاواه قائمة على الاستحسانات الذوقية، ومن هنا لا يُمكن تقبل السيد كمال الحيدري حينما يتحدّث عن الثابت والمتغير بنظرية نقدية عن هذا المنهج الأصولي، وهو الذي يقول بأنّه وفقًا للمباني الجديدة التي يقدّمها لا بدّ من تقديم صورةٍ جديدة للفقه.
ومن هنا أيضًا، لا يمكننا أن نتساءل عن فتوى “تفخيذ الرضيعة” المثيرة للجدل مثلاً، حيث أنها ناتج عن هذا النوع من التفكير الأصولي، والذي يستغني عن العقل..
وطبعًا، الفرق واضح بين استخدام العقل في كونه أداة لفهم النصوص فقط لا غير، وفي كونه أداة لكشف الحقيقة. الأول استغناءٌ عن مصدريّته، أي استغناءٌ عنه أصلاً، وفي الثاني استخدامه باعتباره مصدرًا، أي مصدرًا للكشف عن الأخلاق.
–
3/7/2016