لا يخفى على الجميع أنّه في فترة ليست بالبعيدة، وربما بعيدة أيضًا، لا فرق، كان تفسير نزول المطر، ومجيء السحاب في هذا التوقيت الخاص والذي لا يُمكن التنبؤ به، هو أنّ الله أراد أن يُنزل الخير على هذه الأرض، أو يريد ابتلاء من بها كما هو في أحيان أخرى.. فما هو التفسير الآخر لهذه القطيرات العجيبة؟!
وفي الوقت الحالي، قد لا يتردد أحدٌ ذا رأيٍ مسموع في المجتمع من أن ينسب الحادث المتكرر لسيارته الجديدة للمرة الرابعة، لحسدِ صاحب العينِ القويّة تجاهها، والتي قد تكون سيارة عادية جدًا.. نعم، فالعين حق، والعين والحسد ذُكرا في القرآن كما هو الفهم السائد.. وإلا فما هو التفسير الآخر؟
وهو أيضًا في الوقت نفسه، يتحدّث عن البيانو التي عزفها أحد الجان الذي كان يسكن الطابق الثالث من بيتٍ مهجورٍ وقديم جدًا، حيث تحرّكت إلى جانب البيانو أحد الملابس التي ارتداها الرفيق الجني الآخر فحرّكها بطريقةٍ مريبة على مرأًى من عينيه..
وكيف لك أن تُنكِر؟ فالجن مذكور صراحةً في القرآن، وها نحن رأينا تأثيراته..
قد يجد القارئ مفارقةً بين المطر وبين الحسد والجن، حيث أنّ نزول المطر حقيقةٌ لا أحد يُنكرها، وأنّها حادثةٌ قد فُسّرت علميًا وبوضوح، وأصبح من الممكن التنبؤ بالطقس الجوي وما إلى ذلك.. بينما العين والجن هي أمورٌ بحاجةٍ لإثبات علمي أولاً، وذلك مما قد يجعل البحث خارجًا أصلاً من دائرة العلم وإنما إلى ما وراء المادة، وثانيًا هي لم تُنقض علميًا بعد..
وفي الحقيقة لا أجد فرقًا أبدًا بين المطر وبين جميع الخوارق التي تشيع في العالم العربي خصوصًا، بدايةً من الحسد والجن والسحر، ووصولاً حتى إلى الكرامات، فلا يُمكن إنكار حدوثها مطلقًا، وإنما الممكن هو إنكار تفسيراتها الغيبيّة التي لا تعتمد على منهجٍ علميٍ بالمطلق..
فتفسير هذه الخوارق بالمنهجية الغيبية والميتافيزيقية، هو كتفسير نزول المطر القديم، والذي كان أصلاً يستدلّ بالقرآن أيضًا..
فعدم وصول العلم التجريبي إلى تفسيرٍ علميّ، لا يُبرر الهروب إلى الغيبيّات استنادًا على القرآن، في تفسير أمورٍ تدخل في الحياة الطبيعية، أي هي ظواهر مادية أصلاً!
لا أجد أنّ سبب تفسير كل هذه الخوارق التي تحدث هنا وهناك بالميتافيزيقا والغيب، سوى أنّ الفكر العام هنا هو فكرٌ يعتمد على الموروث والأصل في الثقافة الشعبية والدينية، ويبتعد تمام الابتعاد عن التفكير الناقد، وعن العلوم التجريبية في العصر الراهن، وذلك ما تُشبعه هذه الثقافة الأصولية في هذا المجتمع.
–
3/21/2016