في المجتمع الذي نعيش فيه، والذي يسوده التفكير الديني الأصولي، والذي تحدثت عنه في المنشور السابق، تبرز نماذج أسميها نماذج شاطحة، تتحدّث عن الأمور الأخلاقية والدينية وتنتقد الكثير من الأحكام التي يُعطيها الدين بشكل عام بناءً على المنظومة الأصولية..
هذه النماذج الشاطحة، غالبًا ما يكون منطلقها منطلقٌ عقلي، متأثّر بتغيّر الأوضاع الاجتماعيّة، ومتأثّر بالعولمة أو الفكر الحضاري الجديد المنبثق من أوروبا، فهي تبني نقدها في الغالب بناءً على أسس عقلية تجريبية، لا على أسس أصولية، خصوصًا وأنّها ليست منخرطة في الحوزة الدينية مثلاً.. وهنا، هذه النماذج بسبب هيمنة الفكر الأصولي، بل وإقصائيته، ولعدم وجود المحيط الذي يحتويها، هي في الغالب تُخفي خروجها من هذه الدائرة، أو أنّها أساسًا تنتمي إلى تيّارٍ مجددٍ من الداخل ولكنّه مضطهد هو أيضًا، أو على الأقل يكون في محلّ النقد بشكل عام..
والأزمة التي نراها من قبل هذا الفكر الأصولي، هو أنّه في الأساس يختزل الحقيقة، ولأنّه يختزل الحقيقة فعليه أن يختزل المنهجية التي يتخذها من أجل الخوض في الأمور الأخلاقية التي يواجهها الناس، فبالتالي يفترض ضمنيًا أنّ الجميع ضمن هذه الدائرة التي ينتمي لها..
فعلى سبيل المثال، تخرج دعاوي “قرأ كتابين ونقض الشريعة”، وهو لا يعلم بـ”المتعيّن واللا متعيّن”، وكأنّ أيّ أحدٍ يطرح رأيه لا بدّ أن يطرحه من داخل هذه الدائرة الأصولية، وإلا فلا..
وهنا، قمعٌ للتيارات أو المنهجيات المختلفة، وقمعٌ لحريّات الرأي في المجتمع الواحد، وكأنّ المنهجية الأصولية هي الوحيدة الموجودة..
وقد تتفرّع المشكلة في صنفين:
الأول، أنّ الإنسان لا يُمكنه أن يصرّح بعدم وجوده داخل هذه الدائرة الأصولية، لأنّ القمع الاجتماعي والسلطة الأصولية شديدان..
والثاني، أنّ الإنسان العادي، والعادي هنا هو أيّ إنسان لا يدرس في الحوزة، لا يُمكنه أن يطرح رأيه دون وصول القمع المنادي بالمنهجية الأصولية، والذي يتّهم أيّ إنسان يطرح رأيه بأنّه يفكر تفكيرًا “التقاطيًا” ولامنهجيًا، وفارغًا، إن لم يكن من داخل الحوزة ومستخدمًا نفس أدواتها….
–
3/9/2016