حينما نتحدّث عن الأخلاق في المجتمعات العربيّة، فلا بدّ وأن ننظر إلى الأزمة التي يعاني منها المجتمع بشكل عام، والتي يتغاضى عنها المجتمع بشكلٍ كبير في مقابل أمور لا أهميّة لها..
فالتفكير الأصولي، يفرض على الإنسان أن يعرف الصحيح والخاطئ من الفقه، أو بالأحرى هو ينمّي ثقافة “الحلال” و”الحرام” في المجتمع بشكلٍ واسع، حيث أنّ لا مقياس غيرهما، وأنّ المُحدد الأول في الأمور الأخلاقية هو الفقيه، وهو الذي يقرر إن كان ما يقوم به الإنسان أخلاقي أم لاأخلاقي..
وهنا أيضًا، يظنّ ويروّج الفكر الأصولي بشكلٍ عام، إلى عدم وجود المشكلة التنظيرية الأخلاقية عند المسلمين بشكل عام، فهي مشكلة ثانوية، والمشكلة الأولية هي عدم التدين وعدم التقيّد بالفتاوى التي يصدرها الفقهاء، حيث أنّ المشكلة في الناس وليست في التنظير..
حيث أنّ هذا الفكر، يفترض أنّ الإسلام أعطى القواعد الأخلاقية التامة، وهو ليس بحاجةٍ إلى العودة إلى أيّ نوعٍ من البحوث العقلية الطويلة والعريضة التي يقوم بها الغرب مثلاً، من “أخلاق تحليلية”، و”علم نفس الأخلاق” و”الأخلاق السياسية”، حيث أنّ النص ليس بحاجةٍ إلى هذه العلوم الحديثة والتي ابتدعها الغرب، حتى وإن كانت عميقة..
وفي الوقت نفسه، يفرض هذا الفكر على الإنسان أن يتّبع الفتوى دون سؤالٍ عن سببها، وعن صحّتها عقليًا ومنطقيًا، وإن سأل ولم يقتنع، فالعقل غير قادر على استيعاب المنظومة الأصولية التي تُصدر عليها الأحكام، فبالتالي عليه أن ينساق وراءهم دون حديث..
وهذا الفكر هنا، يجهل أنّ المشكلة الأخلاقيّة هي هنا بالضبط، وهي أنّ الإنسان هنا لا يشعر بأهميّة الأخلاق، لأنّ الفقيه لا يقدّم تبريراته المنطقية، وإن قدّم فهي في كثيرٍ من الأحيان تبريرات أصولية لا تنسجم مع عقليّة الإنسان ومع المنطق الحديث الذي يتحدث به كل العالم..
وفي الوقت نفسه، يخلط الإنسان الطبيعي هنا بين المستحب وبين الأخلاقي، فيصبح الأخلاقي مستحب والمستحب أخلاقي، حيث أنّ الفرح والحزن لأهل البيت يأتي في الدرجة الأولى من الأمور المستحبة، أو كما تصبح في ذهنيته أخلاقية، وهنا يبتعد شيئًا فشيئًا عن الاهتمام بالأمور الأخلاقية الحقيقية، فينتهك القانون ويتعدى على نظافة المنشآت العامة، ولا يبالي بأن ينتهك الحقوق الفكرية، والتي أصلاً لا يتعمق فيها الفقه..
من هنا، قد أتمادى وأقول، بأنّ هذا المجتمع، وهذا الفكر المسيطر عليه، لا يملك أيّ نوعٍ من أنواع الثقافة الأخلاقية، وهي ثقافة فقهيّة بعيدة عن الفكر الأخلاقي وعن المنطق الأخلاقي، وعن علم الأخلاق. (في المقالة القادمة، أتحدث عن هذا الفكر وبعض معالمه.)
وللأسف، ما زال يظن المجتمع بأنّه متطوّرٌ أخلاقيًا على نظرائه من البشر، فهو وبسبب هذا التفكير الأصولي، يراقب المشاكل التي يسببها النظام الرأسمالي في أمريكا، ويراقب الانحلال الجنسي في الخارج، مثلاً، متغاضيًا عن الانحلال والمشاكل الجنسية في مدارسه، وعن الكبت الجنسي الذي يعاني منه مجتمعه، بل ويشعر بالحاجة إلى تغييبها عن الرأي العام، لأنّها تشوّه صورة المجتمع..
ويحمد الله على نعمة الإسلام، التي جعلته مجتمعًا أخلاقيًا بعكس المجتمعات الأخرى!
–
3/12/2016