حينما نتحدّث عن الأندية الرياضيّة، فنحن نتحدّث عن مؤسسات انبثقت وتأسست تحت إطار ومسمى “رعاية الشباب”، وذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا في كون النادي الرياضي مؤسسةً اجتماعيةً من أجل خدمة المجتمع. أي أنّها لها قيمة حقيقيّة في الإطار الاجتماعي، ولها فلسفة حقيقيّة، وليست مجرّد ترفًا ولهوًا وترفيهًا للشباب وللمشاهدين وللجماهير الذين يتابعون أو ينشطون في هذا الصرح. فالنادي الرياضي، والذي نظلمه أصلاً حينما نطلق عليه صفة “الرياضي”، هو مؤسسة تقوم باحتواء الشباب ورعايتهم، أو بالأحرى توفّر لهم المحيط الجيّد والصحي للنشاط في المجتمع، من خلال أنشطة لها قيمة، تملأ الفراغ الموجود لدى أغلب طبقات المجتمع، وخصوصًا الشباب.
وهنا تسطع أهمّية مسمّى “رياضي، اجتماعي، ثقافي”، فهي حينما نتحدّث عن الجانب النظري، مهمّة جدًا ولا يُمكن أن نستثنيها من غاية النادي الرئيسية.
وكلّ ما كان سابقًا، يبقى ضمن الإطار النظري، والذي فشلت معظم الأندية السعودية في تطبيقه، ولم تقدّم أي تطبيقًا يشفع لها في أن تكون ممثّلةً للفلسفة الحقيقيّة لهذه المؤسسة العظيمة. فمعظم الأندية الرياضية اتجهت نحو مسار “اللعبة الواحدة”، وإن لم يكن مقتصرًا على لعبة واحدة فهو لا يتعدى الثلاثة الألعاب رياضيًا، ناهيك عن انقراض النشاط الاجتماعي والثقافي أصلاً في المملكة.
ولكن مع ذلك، كانت شهادة الكثير تتحدّث عن “نادي البلد”، والنادي الذي لا تتوقف فيه الأنشطة الاجتماعية والثقافية، والنادي الذي يضمّ أغلبية الألعاب الرياضية وبالتالي يضمّ أكبر عدد ممكن من الشباب، تتوجّه هذه الشهادة في فترةٍ طويلة لنادي الخليج كمثال بارز جدًا على مستوى المملكة، وهو الذي يتواجد في مدينة صغيرة لا يتعدّى سكّانها السبعين ألف نسمة آنذاك..
ومن خلال عدّة معاصرين لبداية فترات تأسيس النادي، أعرف أنّ هذا النادي بدأ ثقافيًا واجتماعيًا بامتياز، فلم يكن النادي على حد قول أحدهم يتوقّف ليلةً واحدةً عن الأنشطة المتنوعة، رياضيًا وثقافيًا واجتماعيًا، بل كان هو نقطة التجمّع للجميع.
نعم، لم أرَ النادي بهذه الكيفيّة، ولكنّني -أقلّها- خلال أكثر من ثمان سنوات قضيتها في أروقة النادي بشكل يومي كلاعب، كنت أرى الكثير والكثير من الأمسيات والمسرحيات والأنشطة الثقافية المتنوعة والصاخبة، صيفًا مع كرنڤال سنابل الخير، وشتاءً بأمور مختلفة ومتنوعة.
اليوم، وخلال أربع سنوات مضت، أكاد أجزم أنّ النشاط الثقافي والاجتماعي كان ينقرض تدريجيًا، وحتى مهرجان سنابل الخير والذي كان الشعلة المتبقيّة، أُلغي قبل سنتين.
وفي الوقت نفسه، تقلّص كل الاهتمام بمختلف الألعاب الرياضيّة، وإن تبقى منه القليل، فكان بجهدٍ “عشوائي”، سواءً من قبل أعضاء مجلس إدارة النادي، أو من خلال متطوّعين يحاولون إنقاذ ما تبقى من ألعابهم.
أجزم كلّ الجزم، أنّ إدارة النادي لا تعي ما هي أهمية وفلسفة هذه المؤسسة، وما الاهتمام بلعبتين وحيدتين في النادي إلا دليلًا ساطعًا لهذا الجزم. وذلك كلّه، رغم الوعود التي كانت تغطّي برنامج “إدارة التغيير”، بالاعتناء بمختلف الألعاب وبالفئات السنية اعتناءً وثيقًا.
وفي الوقت نفسه، النجاح الوحيد الذي يحسب للإدارة السابقة -في المقاييس الرياضية-، هو نجاح فريق كرة القدم بالصعود والبقاء في دوري الأضواء.. إلا أنّه نجاح بلا هويّة حقيقيّة. وما عزوف الجماهير عن الحضور إلا دليلًا قاطعًا بفشل النجاح المزعوم.
لا يُمكن النظر إلى النادي كفريق كرة قدم، ولا يُمكن النظر له كفرق أوروبا، نريده أن ينجح بلاعبين لا يمثّلون المجتمع الذي يتواجد فيه هذا النادي، فنادي الخليج هو مؤسسة اجتماعيّة، وليس مؤسسة رجل أعمال يبحث فيها عن الربح وعن البطولات وعن الإنجازات الخاوية من المعنى الاجتماعي الحقيقي. ولن يكون نادي الخليج ناجحًا من خلال دعمٍ خارجي ومن خارج المجتمع الذي يعيشه فيه.
نعم، نحن في زمن الاحتراف، ولكن زمن الاحتراف لا يقوم بفرض نفسه على هذه المؤسسة التي لا تتحصّل على أي قيمة حقيقيّة إلا من خلال المجتمع، ومن داخله.
أما النجاح الحقيقي، فهو الذي يتمكّن من جذب أبناء المجتمع بالمجتمع نفسه.
ومن هذا المنطلق، قد لا يكون هذا النقد موجهًا نحو الإدارة الحاليّة، وإنّما هو في الواقع تنظيرٌ نحو مؤسسة النادي، ونحو النظرة نحو أي نادي رياضي، وهو منطلق لتفادي وقوع الأخطاء في المستقبل.
–
12/16/2015
فكرة واحدة على ”الخليج.. وهم الإنجاز“